الكشف عن أخطر مادة تستخدم في صناعة العطور المصنعة في السعودية

الكشف عن أخطر مادة تستخدم في صناعة العطور المصنعة في السعودية
  • آخر تحديث

لطالما ارتبطت صناعة العطور في المملكة العربية السعودية بتاريخ عريق يعكس جانب من الهوية الثقافية والاجتماعية. فمنذ قرون، شكلت روائح الورد الطائفي ودهن العود والمسك والعنبر مكونات أساسية في الحياة اليومية، وامتزجت هذه الروائح مع المناسبات الدينية والاجتماعية لتعكس قيمة خاصة تتجاوز مجرد الترف.

الكشف عن أخطر مادة تستخدم في صناعة العطور المصنعة في السعودية 

ومع مرور الزمن، تحولت هذه الصناعة إلى رافد اقتصادي مهم، يعتمد على تقنيات متطورة بجانب الطرق التقليدية التي توارثتها الأجيال.

لكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الصناعة تواجه تحديات غير مسبوقة مع دخول منتجات عطرية رخيصة إلى السوق، بعضها مجهول المصدر ولا يخضع للرقابة، ما أثار قلق المستهلكين بسبب ارتباطها بمشكلات صحية متزايدة مثل التهابات الجيوب الأنفية، الحساسية الجلدية، والصداع المزمن الناتج عن المواد الكيميائية الحادة المستخدمة في تركيبها.

تقنيات الإنتاج المحلي وضمان الجودة

المصانع السعودية المتخصصة في العطور ما زالت تحافظ على سمعتها الرفيعة من خلال اعتمادها على عمليات دقيقة ومركبة تضمن النقاء والجودة.

فالمراحل التي تمر بها الزيوت العطرية تبدأ من التقطير والتبخير، مرورا بعمليات التكثيف وضبط درجات الحرارة، وصول إلى المعالجة النهائية التي تمنح العطر ثبات وعمق في الرائحة.

هذه الإجراءات لا تحافظ على جودة المنتج فقط، بل تشكل حاجز حماية للمستهلك، وتضيف قيمة اقتصادية تعزز من تنافسية العطور المحلية في الأسواق الإقليمية والعالمية.

العطور الرخيصة

في المقابل، يشهد السوق السعودي تدفق كبير لمنتجات عطرية زهيدة الثمن تباع في الأسواق الشعبية والمتاجر الإلكترونية.

هذه العطور غالبا ما تحتوي على مذيبات صناعية أو مركبات كيميائية لا تتوافق مع معايير السلامة، ما يسبب مشاكل صحية خطيرة، تبدأ من تهيج الجيوب الأنفية وصول إلى اضطرابات تنفسية حادة، إضافة إلى صداع مزمن وحساسية جلدية.

ورغم علم الكثير من المستهلكين بهذه المخاطر، إلا أن عامل السعر المنخفض يغري شريحة واسعة منهم، في حين يدفع آخرون ثمن صحي باهظ نتيجة تلك القرارات.

جهود الرقابة والتنظيم في السعودية

الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة تلعب دور محوري في تنظيم سوق العطور ومنتجات التجميل، حيث وضعت لوائح صارمة تلزم الشركات المحلية والمستوردة بتسجيل منتجاتها في النظام الإلكتروني الموحّد قبل طرحها في الأسواق.

ويتطلب ذلك تقديم ملف كامل يتضمن بيانات المكونات، نتائج الاختبارات المخبرية، ودراسات السلامة.

وتقوم الهيئة بجولات تفتيشية دورية على المتاجر والمنافذ، وتسحب عينات عشوائية لفحصها والتأكد من خلوها من المواد الضارة، فضلا عن فرض شرط الحصول على شهادات مطابقة قبل دخول أي شحنة إلى السوق السعودي عبر المنافذ الجمركية.

ورغم هذه الجهود الكبيرة، يبقى حجم السوق وتعدد قنوات البيع الإلكترونية والشعبية تحدي قائم، مما يستدعي تعاون أوثق بين الهيئة والجهات الرقابية الأخرى مثل وزارة التجارة والبلديات.

السوق السعودي

تشير التقارير الحديثة إلى أن حجم سوق العطور في المملكة وصل في عام 2024 إلى نحو 1.9 مليار دولار أمريكي، مع توقعات ببلوغه 2.7 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي يقارب 3.9%، وفقا لتقديرات شركة «آي مارك».

بينما تذهب تقديرات أخرى، مثل تقرير «غلوب نيوز واير»، إلى أن حجم السوق قد يتجاوز 3 مليارات دولار بمعدل نمو يقارب 5%.

ويظهر تقرير صادر عن «موردور إنتلجنس» أن السعودية تستحوذ على 57.48% من سوق العطور في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2024، وهو ما يعكس مكانة المملكة كمركز إقليمي رئيسي لصناعة وتجارة العطور.

تحذيرات عالمية من العطور المقلدة

لا تقتصر التحذيرات من مخاطر العطور المقلدة والرخيصة على السعودية فحسب، بل تتكرر في أسواق عالمية عدة. ففي الولايات المتحدة، حذرت الدكتورة جانيت غراف، وهي طبيبة جلدية معروفة، من خطورة هذه المنتجات التي قالت إنها تسبب تهيج الجيوب الأنفية، نوبات ربو، وحكة جلدية.

وفي ماليزيا، دق صيادلة ناقوس الخطر تجاه انتشار العطور الرخيصة في الأسواق الشعبية، مؤكدين أنها تحتوي غالبا على مواد سامة مثل الفثالات والبارابين، وهي مواد مرتبطة باضطرابات هرمونية ومشكلات تنفسية.

أما في تقارير طبية صادرة عن جامعة هارفارد، فقد تبين أن الملصقات التي تذكر كلمة «Fragrance» قد تخفي وراءها مركّبات كيميائية غير مصرح بها، بعضها يرتبط بمخاطر مثل أمراض القلب والسرطان.

كما نشرت المكتبة الوطنية الأمريكية للطب (NCBI) مراجعات بحثية تؤكد أن بعض العطور تضم خليط معقد من المركبات التي قد تسبب حساسية ملامسة وأعراض تنفسية خاصة عند الاستخدام المتكرر.

وأشارت الجمعية الأمريكية للرئة (ALA) إلى أن الروائح الصناعية في العطور أو البخور أو معطرات الجو قادرة على إطلاق نوبات ربو أو زيادة أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

الحاجة إلى وعي المستهلك

تظل مسؤولية المستهلك محورية في الحد من انتشار هذه المنتجات المجهولة. فاختيار العطور المسجلة والمعروفة المصدر ليس مجرد تفضيل شخصي، بل خطوة أساسية لحماية الصحة العامة.

تعزيز الثقافة الاستهلاكية من خلال حملات توعوية وإبراز مخاطر العطور الرخيصة، سيساهم في تقليص الطلب عليها، وبالتالي تقليل فرص انتشارها في الأسواق.